القائد القدوة

إن الإقتداء برسول الله- صل الله عليه وسلم- أصل الرجاء والتأسي به أساس الإهتداء , قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً" (الأحزاب :21).

إن رسولنا الكريم خير قائد نقتدي به , فهو أفضل أسوة وخير قدوة لكل الأمة الإسلامية, فلقد كان رجل سياسة من طراز رفيع , يضع الخطط ويقود الجيوش ويخوض المعارك كأنه مقاتل من طراز فريد , وهو خير مثال علي القائد القدوة. ولذلك فلابد للقائد القدوة أن يكون لديه القدرة علي التحكم في الإنفعال والسيطرة وضبط النفس , والحفاظ علي شعرة معاوية مهما كانت الخلافات , ويلجأ للإقناع بدلاً من الإكراه الذي يؤدي للنزاع والشقاق.

ومن هنا يمكن تعريف القيادة علي أنها تحريك الناس نحو الهدف المنشود بمهارة ولباقة من القائد, عن طريق التأثيرعلي سلوك الآخرين, فلكل قائد أكثر من قوة يستطيع أن يؤثر بها على الأشخاص التابعين له لتحقيق الأهداف المشتركة والمرغوبة.

ولكل قائد مهارات وصفات يجب أن يتميز بها لتساعده على التأثير في سلوك تابعيه وتحقيق أهداف الإدارة التي يعملون فيها, فلابد أن يتوافر لديه مهارة فنية في أن يكون متقناً لعمله , ملماً بأعمال مرءوسيه من ناحية طبيعة الأعمال التي يؤدونها, مدركاً لمراحلها وعلاقاتها ومتطلباتها, كذلك أن يكون بإمكانه إستعمال المعلومات وتحليلها. أيضاً لابد من أن يتوفر لدي القائد المهارة الإنسانية وهي القدرة علي تفهم سلوك العاملين وعلاقاتهم ودوافعهم , والعوامل المؤثرة في سلوكهم, لإن معرفته بأبعاد السلوك الإنساني يمكنه من فهم نفسه أولاً ومن ثم معرفة مرءوسيه ثانياً , وبالطبع هذا يساعد علي إشباع حاجات التابعين وتحقيق الأهداف المشتركة. كما لابد للقائد من أن يمتلك المهارة التنظيمية , وهي أن ينظر للمنظمة علي أساس أنها نظام متكامل , ويفهم أهدافها وأنظمتها وخططها, ويجيد أعمال السلطة والصلاحيات , وكذا تنظيم العمل وتوزيع الواجبات وتنسيق الجهود. وإستكمالاً للمهارات التي لابد أن يمتلكها القائد, لابد من ذكر المهارة الفكرية , وهي القدرة علي الدراسة والتحليل والإستنتاج بالمقارنة والإستعداد الذهني لتقبل أفكار الآخرين وكذا أفكار تطوير المنظومة حسب متطلبات العصر والظروف.

هنا نأتي للسؤال الذي قد يتطرق للأذهان, هل كل قائد يعتبر قدوة؟ الإجابة بالتأكيد لا, فقد يكون هناك قادة عدة ولكن يظهر قائد واحد فقط قدوة لكل القيادات, من سماته أن تتطابق أقواله مع أفعاله وأن لايخاف فقدان المنصب أو الجاه ولاينصاع لأي ضغوط أو إبتزاز.

 وفي سياق الحديث عن القائد القدوة لابد من ذكر الأدوار التي يقوم بها القائد. الدور الأول هو دور المعلم, فكل قائد يجب أن ينجز دور القيادة التعليمي عن طريق تعليم المرءوسين مهارات الوظيفة والسلوك السليم والقيم التنظيمية السائدة في المؤسسة, ولذا فإن عادات القائد ومواقفه وتصرفاته تُعد نموذجاً لكل من يلاحظه. الدور القيادي الثاني الذي يلعبه القائد القدوة هو دور المُستشار, الذي يتضمن قيام المدير بالإصغاء وتقديم النصيحة ومنع حدوث المشكلات بين المرءوسين , والقيام بحلها في حال حدوثها. الجدير بالذكر هنا أن دور القائد كمستشار, لايعني أن يقوم بحل جميع مشكلات المرءوسيين , إنما يعني تقديم المساعدة في تحديد المشكلة الرئيسية والبحث عن الحلول الممكنة لها. الدور الثالث للقائد القدوة هو دور القاضي , فهو يشمل تقييم آداء المرءوسيين وتنفيذ القوانين والأنظمة والإجراءات والسياسات وتسوية النزاعات , وإقامة العدل , وتقييم الآداء مع العدل في توزيع المكافآت والإمتيازات لمن يستحقها, كذلك فرض العقوبات المناسية إذا لزم الأمر. 

إن إمتلاك القائد القدوة للمهارات وإكتسابه للخبرات التي في مجال تخصصه يخول له القدرة علي التأثير بسلاسة في الأشخاص الذين يحتاجون له في هذه المهارات والخبرات المتقنة. ولكي يمتلك هذه المهارات لابد له من أن يكون علي تواصل دائم مع آخر التطورات والمعلومات العلمية أو المعرفية المتعلقة بعمله, فالقائد القدوة يستمدقوته في التأثير علي الآخرين من خلال ما يمتلك من خبرات ومهارات وعلم ومعلومات.أيضاً القائد القدوة يتميز بقوة الإعجاب , أي إعجاب المرءوسيين بشخصية قائدهم وإعتزازهم بالإنتماء له والإلتفاف حوله لما يملكه منشخصية ساحرة وجذابة وقوية , وعادة ما يمتلك مثل هذه القوة في التأثير قادة ممن تتوافر لديهم مواصفات شخصية راقية ترتبط بميادئ سامية يدافعون عنها بحماس , ويضربون مثالاً للآخرين في القدوة من خلال تبنيهم لهذه المبادئ ودفاعهم العظيم عنها كشخصية غاندي القيادية.

  

إن القائد القدوة هو قصة نجاح تحفز الشباب علي الإقتداء به والسير علي خطاه, فالقائد الذي ينجح في دور القدوة يكون قد إمتلك ماكينة تغيير ضخمة لها تأثير يصعب قياسه وحصره, ولابد من القول أن ثقة المرءوسيين في القائد تكون نتيجة إتصافه بالقدوة , فالقائد الذي يعطي المثل الصالح من نفسه يستطيع دوماً أن يكسب ثقتهم , لأن مسيرة حياته أبقي من صوته وقوله , فليس القائد من يقول وإنما القائد من يفعل ويعمل.

المدونات الأكثر تداولاً